حروب عالمية تشتعل- الشرق الأوسط، أوكرانيا، السودان... إلى أين؟

المؤلف: محمد مفتي08.31.2025
حروب عالمية تشتعل- الشرق الأوسط، أوكرانيا، السودان... إلى أين؟

في لحظات التأمل العميق، يشتد تفكيري وتأملي في الأحداث الجارية في شتى بقاع الأرض، سواء في الشرق أو الغرب. ففي قلب الشرق الأوسط، تستمر حرب ضروس بين إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد أوشكت هذه الحرب على دخول عامها الثالث، ولا يلوح في الأفق القريب أي أمل في نهايتها. إسرائيل تزهق أرواح العشرات، بل المئات يومياً من الأبرياء، بمن فيهم الصحفيون والعاملون في مجال الإغاثة، بالإضافة إلى ممارسات القرصنة البحرية لمنع أي تعاطف أو تضامن بين النشطاء والفلسطينيين. علاوة على ذلك، نجد الحرب التي أوقدتها إسرائيل بضرب إيران بهدف الحد من قدراتها النووية، وكل هذه الأحداث تتوالى على مرأى ومسمع من دول العالم، وخاصة الدول الكبرى التي تبدو عاجزة عن إيقاف آلة القتل الإسرائيلية، التي طالت نيرانها حتى بعض رعايا الدول الغربية. لا يبدو أن هناك أي شيء سيوقف هذا البطش الإسرائيلي، الذي يجد في هذا الوضع فرصة سانحة لتهجير سكان غزة، وهو حلم راود جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

الحرب بدأت شرارتها على أراضي غزة، ولكن هل ستقتصر نهايتها على هذه الأرض؟ لا يبدو ذلك مرجحاً، فالحرب تشبه فتيل النار، إذا لم تجد من يطفئها، فإنها ستستمر في التهام كل ما يعترض طريقها، وقد تنتشر كالورم الخبيث في الجسد. فإسرائيل، خلال العامين الماضيين، دخلت في صراع مباشر مع سوريا ولبنان وإيران واليمن، مدعومة من الدول الغربية التي سارع زعماؤها، بعد أحداث السابع من أكتوبر، للإعراب عن دعمهم المطلق لحكومة نتنياهو، مبررين ذلك بما أسموه "دفاع إسرائيل عن نفسها". هذا الدعم بدأ يتلاشى مؤخراً بسبب المجازر المروعة التي خلفتها الحرب، ولكن إسرائيل مستمرة في التوسع، لعلمها أن الاستنكار الغربي سيتآكل أيضاً بمرور الوقت.

وعندما أتأمل الحرب الروسية الأوكرانية، أجد أن الوضع يبدو أيضاً وكأنه لا نهاية له. فالحرب دخلت عامها الرابع، ولا تظهر أي بوادر لانتهائها قريباً. تتناقل الأخبار أنباء عن صفقة وشيكة بين الطرفين، ولكن سرعان ما ينفي كلا الطرفين هذه الأنباء. هذه الحرب، إذا ما توسعت رقعتها، فقد تلتهم نيرانها دولاً أخرى مجاورة، وإذا حدث ذلك، فإنه سيكون بمثابة إعلان صريح بدخول العالم في حرب عالمية ثالثة، ستختلف تقنياتها وأدواتها عن الحربين العالميتين السابقتين.

يخطئ من يظن أن الحرب – وأي حرب – تدور رحاها بين طرفين فحسب. قد تكون المواجهة الظاهرية بين طرفين، ولكن من وراء الكواليس هناك أطراف أخرى تدفع كلا الطرفين لاستمرار الحرب، وقد تدفع متغيرات الحرب أطرافاً أخرى للدخول بشكل مباشر، كما حدث في الحرب العالمية الثانية، عندما غزت ألمانيا بولندا، وهو الأمر الذي رفضته كل من بريطانيا وفرنسا، وأعلنتا الحرب على ألمانيا، لتستمر نيران الحرب في الاشتعال حتى توسعت شرقاً وغرباً، وخلّفت من القتلى ما يربو على خمسين مليون نسمة.

عندما أنظر إلى الأحداث المؤسفة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، يراودني تساؤل ملح: إلى متى وإلى أين ستصل هذه الحرب؟ فالسودان بلد يعاني من الإرهاق الاقتصادي حتى قبل اندلاع الحرب، وتكاليف الحرب الباهظة تزيد الوضع الاقتصادي تفاقماً، وهو ما يعزز نظرية وجود ممولين وأطراف أخرى تدفع في اتجاه استمرار الحرب. فمن الطبيعي أن تدعم الحكومات الحكومة الشرعية المتمثلة في الجيش النظامي، ولكن قوات الدعم السريع التي يتكوّن أفرادها من المرتزقة لا يمكنها أن تستمر لأكثر من عامين دون دعم سخي من أطراف تموّلها بالسلاح والمال الوفير.

أعود إلى السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: إلى متى وإلى أين ستصل هذه الحرب الطاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع؟ ففي كل يوم، تحصد الحرب أرواح الكثير من الأبرياء، وهو ما دفع البعض من السكان إلى الهجرة والنزوح خارج السودان. هل يعقل هذا؟ والواقع العربي المرير الذي نتج عما يسمى بـ "ثورات الربيع العربي"، دفع الكثير من المواطنين السوريين والسودانيين ليحلوا ضيوفاً على بعض الدول العربية والغربية، في الوقت الذي ينشغل فيه زعماء الحرب بالتقاتل والتناحر على كل شبر من أراضي سوريا والسودان المكلومين.

قبل أسابيع قليلة، اندلعت مواجهات عسكرية بين الهند وباكستان، الدولتين النوويتين، وهو ما دفع الكثير من زعماء العالم إلى المسارعة لاحتواء الموقف قبل أن يتحوّل إلى صراع نووي مدمر. ولكن هل انتهت الحرب فعلاً؟ إن أي حرب – وحتى إن وضعت أوزارها – تظل كالنار الكامنة تحت الرماد، سرعان ما تشتعل لأي سبب تافه. فالحرب لا تنتهي إلا عندما تُعالَج أسبابها وجذورها تماماً، وإلا فإنها ستظل مرشحة للانفجار في أي لحظة. وعندما أتأمل ما جرى في الولايات المتحدة قبل فترة، أجد أن أحداث لوس أنجلوس تنذر بالتوسع إلى ولايات أخرى تعاني من الهجرة غير النظامية. فهل ستتوقف الصراعات أم أنها ستتوسع لتشمل مناطق أخرى، كل هذا يدفعنا للتساؤل بمرارة: ما الذي يجري في العالم حالياً وإلى أين ستقودنا هذه الأحداث المتسارعة؟!.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة